من كتاب المبادئ الإلهية في الاجتماعات الكنسية.
دراسة الأصحاح الثاني عشر من رسالة كورنثوس الأولى.
يبسط الأصحاح الذي نحن بصدده - ولسنا أحرارًا في التغاضي عنه من أجل بعض تعاليم الناس، مهما كانت جذابة - نظام الله المُعلَن لكنائسه، تحت صورة الجسد المُنقاد برأس حي، وكل جزء فيه قائم بخدمته، ومتمم وظيفته الخاصة، هذه هي الحقيقة الأولى.
يمكننا هنا، ملاحظة أمرين هامين في هذه الأعداد، أولهما: لا يمكن الاعتراف بسيادة وربوبية المسيح حقيقة، ولا يتأتى الخضوع لها عمليًا، في الفرد أو الجماعة، إلا بروح الله
«وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ».
والأمر الثاني: أنه بهذا الروح، وفيه وحده، يمكن لقوانين الله المعينة أن تُنفَذ عمليًا في الجماعة. قد تستمر نظم الإنسان بدون المسيح، لكن نظام الكنيسة الكتابي الحقيقي لا يستطيع تنفيذه أشخاص غير متجددين أو مسيحيون جسديون. إذ بدون حضور وعمل الروح القدس، الذي يربط الكل بالمحبة والاتحاد، لا بد وأن يكسر النظام الكتابي.
تعرض لنا الحقيقة الثانية في نفس الأصحاح الأعداد (4-13)، وهي حقيقة الوحدانية في التنوع، والتنوع في الوحدانية. ونلاحظ أنه يشير في هذه الأعداد إلى أقانيم الثالوث الإلهي،
«فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌ. أَنْوَاعُ أَعْمَالٍ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ الَّذِي يَعْمَلُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.»
الله إله تنوع غير محدود، وهو يبني ويغذي الجسد بعمل كل الأعضاء معًا تحت قيادة الرأس وإرشاده. وتساعدنا الثلاث كلمات المستعملة في الأصل في هذه الأعداد الثلاثة (4 - 6) كثيرًا في إيضاح المعنى جليًا عن أي ترجمة أخرى.
- أنواع مواهب موجودة. والكلمة هنا (Charismaton) ومعناها «عطية نعمة»، مِن الذي بارتفاعه إلى الأعالى أعطى الناس عطايا، وهي عطايا محبته، وهبها بمحض إرادته، ليبارك شعبه، وهي ليست هبات مقدرة طبيعية، لكنها هبات لا يمكن استعمالها حسب قصد الذي أعطاها تمامًا إلّا بالروح. وهي تُمنَح بتنوع عظيم. فليس لشخصين مطلقًا هبات متشابهة كل الشبه.
- أنواع خدم. والكلمة هنا ( Diakonion ) ومنها اُشتقت الكلمة الإنجليزية (Deacon) ومعناها «شماس»، وهنالك تنوع في الشمامسة، وسنشير إلى هذا لاحقًا.
- أنواع أعمال. والكلمة هنا (Energematon) ومنها اُشتقت الكلمة الإنجليزية Energy)) ومعناها «طاقة أو مجهود».
وعلى هذا، نرى أن هناك تنوع عظيم في عطايا المحبة من رأس الكنيسة المرفوع، حسب ما تحتاج إليه الخدمة. وهكذا يُعطى لكل واحد إظهار الروح للمنفعة. «وَلَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ قَاسِماً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا يَشَاءُ». وكما أن الجسد الواحد له أعضاء كثيرة، لكل منها عمله الخاص هكذا المسيح. و لقب «المسيح» هنا يطلق ليس فقط عليه هو الرأس الحي، بل وأيضًا على الأعضاء التي مع الرأس، والتي تكوّن الجسد الواحد!
لنعود إلى الكلمة التي أشرنا إليها سابقًا، والتي ترجمناها «خدمة الشمامسة». لنلاحظ أنه لا توجد «وظيفة الشماس» في العهد الجديد. والحقيقة أن الكلمة تظهر مرتين في الترجمة الإنجليزية في (1 تي 3 : 10 و13)، ولكن العبارة «ثم ليتشمسوا» التي في (عدد 10) تتضمنها كلمة واحد وهي ( Diakoneitosan ) وهي الأمر من الفعل «يخدم»، وعلى هذا تصبح الآية «وَإِنَّمَا هَؤُلاَءِ أَيْضاً لِيُخْتَبَرُوا أَوَّلاً، ثُمَّ يَتَشَمَّسُوا (يخدموا) إِنْ كَانُوا بِلاَ لَوْمٍ»، لا إشارة هنا لوظيفة.
ينطبق ذلك أيضًا على «الذين تشمسوا» في (عدد 13) وترجمتها «الذين خدموا»، وعلى هذا تصبح الآية
«لأَنَّ الَّذِينَ تَشَمَّسُوا (خدموا) حَسَناً يَقْتَنُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَرَجَةً حَسَنَةً وَثِقَةً كَثِيرَةً فِي الإِيمَانِ الَّذِي بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ»،
وهنا أيضًا لا إشارة إلى وظيفة. فكلمة «شمّاس» معناها في الكتاب «خادم»، كما يتضح من الأعداد التالية:
· يقول الرب نفسه في (لوقا ٢٢ : ٢٧): «أنا بينكم كالذي يخدم (يتشمس).
· يسمّى الحاكم العادي في (رومية 13: 4): خادم (شماس) الله، مع أنه ليس عضوًا في الكنيسة.
· في (رومية 16: 1) يقال عن فيبي خادمة (شماسة) كنيسة كَنْخَرِيَا.
· يسمّى بولس وأبلوس وتيخيكس وتيموثاوس بنفس هذا الاسم البسيط.
· تطلق أيضًا الكلمة على الخادم العادي في (يوحنا 2: 5و9) حيث يتكلم عن الخدام الذين صبّوا الخمر في عرس قانا الجليل كشمامسة.
يتضح من هذا، أنه لا يُشار إلى مَن يخدمون - سواء في الكنيسة المحلية أو خارجها - كمن هم في وظيفة بل كممارسين هبة النعمة، المعطاة لهم من الله، في خضوع له.
القارئ العزيز، يمكنك الانتباه إلى كلمتين في هذا السياق:
في (1كورنثوس 12: 7) توجد كلمة «يُعطى». وفي (1كورنثوس 12: 18و28) توجد كلمة «وَضَع».
فالرب لم يعطِ فقط الهبات، بل وضع أولئك الذين أعطاهم، في الجسد كما يشاء (عدد 11). هذه الحقيقة تنقض التعيين الذي يُمارس في هذه الأيام. فمحاولة إعطاء هبات عن طريق التعيين، هو أمر غير كتابي بالمرة. للتوضيح نقول: هب أنه خلا مركز لشاعر أو أديب أو فنان، فتم حل هذه المسألة بالتعيين، إنه من الممكن أن تمنحه اللقب، وتلبسه اللباس اللائق، لكن حقيقة الأمر لن يصنع كل هذا من الشخص شاعرًا أو أديبًا أو فنانًا، بالرغم من هذا التعيين، فإن لم يكن الله قد وهبهم هذه الملكات الطبيعية، فان تعيينهم يصبح بلا جدوى. وهكذا إذا كان التعيين تعينًا في وظيفة أو مركز في الكنيسة، فإننا واثقون أن هذا الأمر مخالف للكتاب المقدس. لأن الله قد وضع الأعضاء في الجسد كما يسره، ولئن يحاول الإنسان أن يقرر عن طريق التعيين كيفية ممارسة هبة أو إتمام خدمة، فهو ينكر الحقيقة. لأن إعطاء الهبات ووضع أولئك الذين أُعطيت لهم، في الجسد، هو عمل الله.
هناك وصيتان بخصوص أولئك الذين يخدمون الرب فى (1تسالونيكي 5: 12و13)
«ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي الرَّبِّ وَيُنْذِرُونَكُمْ، وَأَنْ تَعْتَبِرُوهُمْ كَثِيراً جِدّاً فِي الْمَحَبَّةِ مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِمْ»
لم يقل هنا من أجل «وظيفتهم». فعلينا إذًا أن نعرف ونعتبر مَن وهبهم الله ووضعهم في الكنيسة المحلية. وأولئك الذين نالوا الهِبة، يجب أن يختبروا، فإن وجدوا بلا لوم، سُمح لهم بحرية الخدمة، كما عيَّن الرب (1تيموثاوس 3: 10).
للحديث بقية بنعمة الرب.
الهبات الروحية (المواهب) في الكنيسة المحلية