«وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَالشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ». (أعمال الرسل ٢: ٤٢)"
عندما تقرأ عن الكنيسة الأولى، تلاحظ أمرًا مُلفتًا: لم يكن الإيمان بالنسبة لهم مجرد فكرة نظرية أو ممارسة فردية، بل كان حياة جماعية حقيقية. كانوا يعيشون الإيمان معًا، يجتمعون، يصلّون، ويتشاركون في الحياة الروحية. لم تكن الاجتماعات مجرد نشاط جانبي، بل كانت ضرورية لحياتهم الروحية، مثلما يحتاج الجسد إلى الهواء والماء.
اليوم، أصبح الكثيرون يعتبرون الاجتماع أمرًا ثانويًا، وربما حتى غير ضروري. البعض يظن أنه يمكنه أن يحيا إيمانه وحده، بعيدًا عن اجتماعات الكنيسة. لكن الحقيقة أن العزلة الروحية تُضعِف القلب، كما أن الجسد الذي يُحرَم من الطعام يضعف تدريجيًا.
أذكر أن أحد الأصدقاء المؤمنين مرّ بمرحلة من الفتور الروحي. كان في البداية ملتزمًا بحضور الاجتماعات، لكن مع ضغوط الحياة، بدأ يبتعد شيئًا فشيئًا. في البداية، لم يشعر بتغيير كبير، لكنه لاحظ لاحقًا أن صلاته أصبحت سطحية، وأن قراءة الكتاب المقدس لم تعد تجلب له الفرح كما كانت من قبل. قال لي: شعرت وكأنني أفقد شيئًا داخليًا، لكنني لم أكن أستطيع تحديده بوضوح. وعندما قرر العودة إلى الاجتماعات، شعر وكأنه وجد نفسه من جديد.
هذه القصة تتكرر كثيرًا. فكلما ابتعدنا عن الشركة الروحية، ضعُفَت حياتنا الروحية. والسؤال هنا: لماذا تعتبر المواظبة على الاجتماع أمرًا جوهريًا في حياة المؤمن؟
١. لأن الله أوصى بذلك.
يقول الكتاب المقدس:
«غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ، بَلْ وَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَبِالأَكْثَرِ عَلَى قَدْرِ مَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ يَقْرُبُ» (العبرانيين ١٠: ٢٥).
هذا ليس مجرد اقتراح، بل دعوة واضحة للالتزام بالاجتماع. لماذا؟ لأننا بحاجة إلى بعضنا البعض. الإيمان ليس مجرد علاقة فردية بين الإنسان والله، بل هو علاقة جماعية تربط المؤمنين بعضهم ببعض، وتقويهم في مسيرتهم الروحية.
تخيّل نارًا مشتعلة من مجموعة جمرات. إذا أزلت جمرة واحدة ووضعتها جانبًا، ستبدأ حرارتها بالانخفاض تدريجيًا حتى تنطفي تمامًا. هكذا أيضًا حياتنا الروحية: حين نبقى متّصلين بالمؤمنين الآخرين في الاجتماع، نحافظ على شعلتنا الروحية مضيئة. لكن عندما نبتعد، نصبح أكثر عرضة للفتور.
٢. لأن الاجتماع يمنح القوة والتشجيع.
الحياة مليئة بالتحديات، والإيمان يواجه اختبارات كثيرة. عندما نحضر الاجتماعات، نسمع شهادات الإخوة، نصلي معًا، نشارك أفراحنا وأحزاننا، وهذا يمنحنا قوة روحية لا يمكننا الحصول عليها بمفردنا.
قال جورج مولر في أحد تأملاته: إن المؤمن إذا ابتعد عن الجماعة الروحية، يصبح مثل الغصن الذي يُقطع من الشجرة، ويبدأ في الجفاف تدريجيًا.
٣. لأن الاجتماعات وسيلة للتعليم والنمو الروحي.
الإيمان ليس حالة ثابتة، بل هو رحلة نمو مستمرة. وفي الاجتماعات، نتعلم من كلمة الله، ونستمع إلى تعاليم تساعدنا على فهم مشيئة الرب لحياتنا.
«إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ». (رومية ١٠: ١٧). «كانوا يواظبون على تعليم الرسل...»(أع ٢: ٤٢)
عندما نهمل الاجتماعات، نفقد فرصة التعلّم، ونصبح أكثر عرضة للتأثر بأفكار العالم. أما حين نكون جزءًا من جماعة روحية، فإننا نحصل على التعليم الصحيح الذي يساعدنا على السير بثبات في طريق الرب.
٤. لأن حضور المسيح في وسطنا يمنحنا التعزية والسلام والفرح ونأخذ ارساليتنا منه.
قال الرب يسوع: «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ». (متى ١٨: ٢٠)
«وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!» وَلَمَّا قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: «سَلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». (يوحنا ٢٠: ١٩-٢١)
حين نجتمع باسمه، نشعر بحضوره بطرق لا يمكننا اختبارها عندما نكون وحدنا. كثيرون يختبرون تعزية وسلامًا لا يُوصَف أثناء الاجتماعات، وكأن الرب يلمس قلوبهم مباشرة.
٥. لأن الاجتماعات تحمينا من الانجراف الروحي.
الحياة مليئة بالإغراءات والتحديات، وإذا لم نكن محاطين بالمؤمنين الذين يشجعوننا، فقد نجد أنفسنا نبتعد عن الطريق الصحيح دون أن نشعر.
لاحظ جورج مولر أن الأشخاص الذين يهملون الاجتماعات غالبًا ما يتراجعون روحيًا، بينما الذين يواظبون عليها ينمون في إيمانهم.
ماذا يحدث عندما نهمل الاجتماع؟
لا يحدث الفتور الروحي فجأة، بل هو عملية تدريجية. يبدأ الأمر باعتذار بسيط: أنا مشغول اليوم، أنا متعب، سأحضر الأسبوع القادم، يقع في دوامة التأجيل، ثم يتحول الغياب إلى عادة، ويصبح الاجتماع شيئًا ثانويًا. وبعد فترة، يجد الشخص نفسه بعيدًا عن الله وتنقطع شركة المؤمن دون أن يدرك متى بدأ هذا التراجع. ونتيجة انقطاع الشركة السقوط ونتيجة السقوط تأديبيات من الله للمؤمن.
قال لي أحد الإخوة الذين ابتعدوا عن الاجتماعات لفترة: كنت أعتقد أنني قادر على الاستمرار وحدي، لكنني وجدت نفسي أضعف روحيًا، وأصبحت أقل حماسًا للصلاة وقراءة الكتاب المقدس. عندما عدت إلى الاجتماع، شعرت وكأنني أتنفس من جديد!
المواظبة ليست عادة… إنها حياة!
لاحظ أن الكتاب المقدس لم يقل: "وكانوا يحضرون أحيانًا"، بل قال:
"وَكَانُوا يُواظِبُونَ.." (أعمال ٢: ٤٢)
المواظبة ليست مجرد التزام خارجي، بل هي علامة على قلب متعطش للرب، راغب في النمو والاستمرار في الإيمان. عندما نواظب على الاجتماع، فإننا نحمي أنفسنا من الفتور، ونقوّي شركتنا بالله، وننمو روحيًا.
لذلك، لا تكن ممن يتهاونون في الاجتماع، بل كن مِمَّن يقدّرون قيمته، ويحرصون على التواجد حيث يعمل الله.
المواظبة على الإجتماع والشركة الروحية.