"وَهُوَ (أي المسيح) أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، والبَعضَ أَنبياءَ، والبَعضَ مُبَشِّرِينَ، والبَعْضَ رُعَاةً ًوَمُعَلِّمِينَ" (أفسس 4: 11).
من العجيب، هنا في هذا النص الكتابي، أن هبات المسيح هي أشخاص وليست مقدرات طبيعية أو مواهب. ولقد عرفنا في مقالٍ سابق أن الرسل والأنبياء كان دورهم تأسيس مبادئ العهد الجديد للكنيسة (أفسس 2: 20). نستكمل الآن بقية المواهب المُعطاة للكنيسة لبنيانها والمستمر عملها الآن وإلى مجيء الرب ثانية.
المُبشِّرون.
هم الذين يُقدّمون الإنجيل (الخبر السار) للجميع. لذلك نرى المُبشِّر يحمل سمات هامة، متمثلاً بسيده، في التحنن على الجموع الضالة، مُعرّفًا إياهم بالخبر السار لخلاص نفوسهم، وذلك بشكل فردي، أو جماعي. في قلبه دائمًا كلمات الرب:
«رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ» (لوقا 4: 18،19).
على المُبشِّر أن يضع في قلبه الأمور التالية، أثناء خدمته:
1. طلب فكر الرب.
عليه أن يرى الناس بنفس فكر الرب، من جهة الإهتمام بالقلوب المنكسرة، وبالعميان الذين تحت سيطرة عدو الخير، فيعلمهم ويرشدهم لطريق الخلاص. وما أجمل المُبشِّر الذى له مشاعر الشفقة، التى يتحنن بها على الهالكين وله رسالة ذات قيمة.
2. تقديم رسالة الإنجيل بشكل صحيح.
على المُبشِّر أن ينتبه لما يقدمه. هل يقدم ما يريد الشعب سماعه؟ هل يقدم فلسفة العالم وكلام حكمة البشر، ويتجاهل الحق الكتابى الواضح والخاص بمنح الحياة للأموات؟. فليكن دائمًا شعاره:
«لَكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ الْكَامِلِينَ وَلَكِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الدَّهْرِ وَلاَ مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ الَّذِينَ يُبْطَلُونَ. بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِي سِرٍّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا» (1 كورنثوس 2: 6-7).
عليه أن يعتمد في كلامه على قوة الله، وليس على التأثير الشخصي. فرسالة الإنجيل نفسها لها القدرة الكافية في خلاص النفس، لأنها رسالة حياة من الله ذاته. لا شك أن قيادة الروح القدس للمُبشِّر، سيعينه في معرفة احتياج السامعين، بما يتناسب مع حالتهم، وقدراتهم الذهنية، بدون فلسفة بشرية، وبالتالي سيكون حريصًا على توصيل الرسالة بحكمة إلهية.
ولأن الحقائق المعلنة كتابية وببراهين، لذا سيكون الأقناع الروحى سهل
«وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ بَلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ» (1كو 4:2).
مع التركيز على إعلان محبة الله للجميع التى تقود إلى الخلاص.
الرُّعاة
هم من يتبعوا راعى الخراف العظيم ويتعلموا منه الرعاية (عبرانيين 20 :13). فالدور الأساسى لهم هو رعاية القطيع، دون تمييز، بل بمحبة، على مسافة واحدة من الجميع، وبلا مقابل، أو لغرض سلطة ورياسة على القطيع، وقدوة للجميع، حتى لا تهرب منه الرعية وتتعثر، وهنا يتمثل دور الرعاة فى:
السهر – العمل بفرح – التضحية – تقديم غذاء صالح – التشجيع – الأمانة – المهارة فى القيادة الروحية.
فالراعى يتميز بقلب عطوف، وملاحظة جيدة، وله قدرة على إطعام القطيع. ولما كان الرب يسوع له كل المجد المدبر الذى يرعى شعب الله، فلابد لمن يتبعه أن تكون لديه هذه الموهبة فى تدبير كل ما يحتاجه القطيع من طعام وإهتمام ومتابعة وحماية، لانه أخذ التكليف من رئيس الرعاة، لذا يأتى عمل الراعى بعد عمل المُبشِّر، لضمان استمرار نمو الشخص الذي تقابل مع الرب، بعد قبوله لرسالة الإنجيل. وما أروع الغذاء الذى يأتى من مراعى كلمة الله الحية الفعالة. ولقد كانت وصية الرب – بعد قيامته من الأموات، لبطرس:
«ارع غنمي» (يوحنا 21: 16).
وبطرس بدوره أوصى شيوخ الكنيسة المحلية في رسالته الأولى
«ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّاراً، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاِخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ، وَمَتَى ظَهَرَ رَئِيسُ الرُّعَاةِ تَنَالُونَ إِكْلِيلَ الْمَجْدِ الَّذِي لاَ يَبْلَى» (1 بطرس 5: 2-4).
المُعلِّمون.
هم أيضًا عطايا الله لكنيسته، لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح. وإذا كان إلزامًا على الراعى أن يقدم غذاء صالح ومفيد للرعية، فلابد أن يكون المعلم لديه القدر من التعليم النقى وهذا يتطلب منه:
- أن يكون ملازمًا للكلمة، يلهج دائمًا بها.
- أن يكون قدوة للأعمال الحسنة.
- مفصلاً كلمة الحق بالإستقامة، بما لديه من كلام حكمة من فوق.
- مشغول بالحق الإلهى، وأمين، ليكون له القدره على التعليم الصحيح.
من هنا نرى أن المواهب التى فى الكنيسة، ليس لها هدف إلا تكميل القديسين، لعمل الخدمة، وتوسيع وإمتدام الكنيسة، وتصحيح أى مفاهيم يرسلها عدو الخير لتعطيل النمو .
آمين.
عطايا الرب لكنيسته