ما صحة القول: «المسيح بعد موته، ذهب إلى الجحيم، وبشّر الأرواح الذين فيه، وأخرج الصالحين منه»؟
ينتشر هذا الفكر في بعض الأوساط المسيحية، وهو أن المسيح خلال الفترة المُمتدة بين موته وقيامته، ذهب إلى الجحيم وأذاع هناك انتصاره على الموت والهاوية، وأخرج أرواح الأبرار، الذين آمنوا بعمله هذا، من هناك، إلى الفردوس. ويتم استخدام بعض الآيات الكتابية لدعم هذا الرأي.
أحبائي، يجب عند دراسة تعليم معين، الاقتراب بتجرد وخضوع أمام نور الكلمة المقدسة، يجب قياس التعليم على الكلمة، وليس الكلمة على التعليم. كما يجب دراسة الفكر في الآيات من خلال سياقها الكامل (الأصحاح – السفر)، بل ومن خلال الكتاب المقدس كله.
بدايةً، نودّ القول: أن دائرة أو {عالم الأرواح} هي عبارة عن: الفردوس (مقر راحة وأفراح الأبرار الذين رقدوا سواء قبل المسيح أو بعده)، والسجن أو الهاوية {ليس بمعنى القبر هنا} وهو مقر لأرواح الأشرار الذين ماتوا في عصيانهم (لوقا 16: 22-25)، والهوة العظيمة المتوسطة بينهما (لو 16: 26)، كل هذه مجتمعة تسمى «هادس» في اليونانية. أمّا في العبرانية فتُدعى «شاؤل».
والكلمة اليونانية «هادس» تعني «العالم غير المنظور»، أي عالم الأرواح. وهذا العالم وإن كان دائرة واحدة، لكن ليس مكانًا واحدًا، كما يتم التوضيح لاحقًا هنا.
ماذا يقول الكتاب المقدس عن مؤمني العهد القديم؟
1. «وَفِيمَا هُمَا يَسِيرَانِ (إيليا وأليشع) وَيَتَكَلَّمَانِ إِذَا مَرْكَبَةٌ مِنْ نَارٍ وَخَيْلٌ مِنْ نَارٍ فَصَلَتْ بَيْنَهُمَا، فَصَعِدَ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إِلَى السَّمَاءِ.» (2 ملوك 2: 11)،
نرى وضوح الآية هنا أن إيليا صعد إلى السماء.
2. «وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ.» (تكوين 5: 22، 24).
إلى أين أخذ الله أخنوخ مكافأةً له؟ بالطبع أخذه عنده في السماء.
3. «اَلرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ. وَلَيْسَ هُوَ إِلَهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلَهُ أَحْيَاءٍ لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَهُ أَحْيَاءٌ». (لو 20: 37، 38)
إن إبراهيم وإسحاق ويعقوب جميعهم أحياء عند الرب أو لديه، وليس في مكان آخر.
4. «وَإِذَا رَجُلاَنِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ (مع الرب يسوع) وَهُمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا اَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ الَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ». (لوقا 9: 30، 31).
من أين أتيا موسى وإيليا؟ هل من مكان انتظار لا يعلمون مصيرهم فيه؟ يقول النص الكتابي هنا «ظَهَرَا بِمَجْدٍ»، بالطبع كانا في الفردوس في مجد.
5. «فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ (أي الغني) فِي الْهَاوِيَةِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ..فقالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ وَكَذَلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ. وَفَوْقَ هَذَا كُلِّهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ هَهُنَا إِلَيْكُمْ لاَ يَقْدِرُونَ وَلاَ الَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ إِلَيْنَا». (لو 16: 23-26)
نلاحظ هنا قد تحدد مصير كل من الغني ولعازر، قبل موت المسيح، لأن هذه القصة رواها الرب بنفسه، لم ينتظر لعازر تحديد موقفه، لكنه يَتَعَزَّى والآخر يتَعَذَّبُ. أيضًا لاحظ وجود عبارة أن الغني رآى لعازر مع إبراهيم «من بعيد»، مما يدل أنهما ليسا في نفس المكان، أيضًا عبارة «هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ» بينهم لا يمكن عبورها، أو لا يمكن تغيير الأماكن.
6. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ (أي للص التائب): «ﭐلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ». (لوقا 23: 43).
لم يقل له الرب بعدما أقوم تكون معي، لكن اليوم تكون معي في الفردوس.
7. «وَنَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا أَبَتَاهُ فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي». وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ». (لوقا 23: 46).
لقد استودع المسيح (روحه الإنسانية) في يد الآب في السماء، لم تذهب روحه إلى الجحيم، أو أي مكان آخر.
مما سبق يمكن استنتاج:
- لا يمكن أن يكون الأبرار مع الأشرار في حالة عذاب لحين قدوم المسيح إليهم.
- لا يمكن القول أن الأبرار والأشرار في مكان انتظار واحد، حتى ولو بدون عذاب، وانتظروا قدوم المسيح إليهم ليحررهم بعد موته.
- ليس المسيح بحاجة لأن ينزل إلى الجحيم ويذيع انتصاره، فهو لم يذهب مثلاً للرومان أو لرؤساء اليهود ويقول لهم لقد انتصرت عليكم، وغلبت الموت، لا لم يقم المسيح بهذه الأفعال.
- فكرة نزول المسيح إلى الجحيم تسللت إلى الأوساط الكنسية بدون وجه حق، نتيجة للفهم الخاطى لبعض الآيات الكتابية، ورفض الخضوع لنور كلمة الله.
- فيما يلي بعض التوضيحات على الآيات التي يُساء فهمها في هذا الموضوع.
1. (1 بطرس 3: 19، 20) «الَّذِي فِيهِ أَيْضاً ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ، إِذْ عَصَتْ قَدِيماً، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ.»
بالنظر إلى سياق هذا النص يتبين ما يلي:
المسيح برغم أنه مات بالجسد، لكنه مُحيىً بالروح (ع 18). في هذا الروح عينه (فيه ع 19) ذهب المسيح، فكرز المسيح (بواسطة نوح) للأشخاص الذين كانوا يعيشون في أيام نوح بالجسد (لكنهم الآن أرواح ، لأنهم ماتوا)، في السجن (الهاوية أو مكان انتظار العُصاة كما جاء هنا، وليس الأبرار)، تمت هذه الكرازة طول فترة بناء الفلك (120 سنة تقريبًا)، لكنهم عصوا (يتكلم هنا عن عُصاة وليس أبرار)، قديمًا (وليس الآن) حين كانت أناة الله تنتظر مرة في أيام نوح (لا مجال لهذه الأناة بعد الموت)، إذ كان الفلك يُبنى، والذي فيه (من خلال الاحتماء في الفلك)، خلص قليلون أي ثماني أنفس بالماء (خلص قليلون عبر الماء عن طريق الاحتماء داخل الفلك)، {لم يكن الماء وسيلة الخلاص – لكنه الفلك، لأن الذين خارج الفلك كانوا جميعهم في الماء ومع ذلك هلكوا!}.
يمكن ملاحظة أمور أخرى من خلال النص السابق:
يتكلم هذا النص عن الأشخاص الذين كانوا أيام نوح فقط، لكن ماذا عن بقية البشر، آدم ، إبراهيم، داود.... إذًا لا يمكن اعتبار هذا النص يدعوا لنزول المسيح إلى الجحيم مطلقًا لجميع البشر، لكن يمكن فهم أن روح المسيح الذي كان في نوح هو الذي كرز للأشخاص الذين عاشوا بالجسد وقت بناء الفلك. ويتكلم بطرس عن روح المسيح الذي في الأنبياء في (1 بط 1: 11 )
«بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَدُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الْمَسِيحِ الَّذِي فِيهِمْ (في الأنبياء)، إِذْ سَبَقَ فَشَهِدَ بِالآلاَمِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ وَالأَمْجَادِ الَّتِي بَعْدَهَا».
إن فاعلية دم المسيح هي الأساس الذي خلص عليه المؤمنين (عهد قديم أو جديد)، يتضح ذلك من خلال الكتاب المقدس.
(1 بطرس 1: 18-20). «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى...بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلَكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ».
(عبرانيين 4: 2) «أَنَّنَا نَحْنُ (العهد الجديد) أَيْضاً قَدْ بُشِّرْنَا كَمَا أُولَئِكَ (العهد القديم)، لَكِنْ لَمْ تَنْفَعْ كَلِمَةُ الْخَبَرِ أُولَئِكَ. إِذْ لَمْ تَكُنْ مُمْتَزِجَةً بِالإِيمَانِ فِي الَّذِينَ سَمِعُوا».
لقد بُشّر الشعب القديم بالإنجيل لكن تفاصيل الرسالة مختلفة، ووسيلة الخلاص كانت واحدة قديمًا وحديثًا وهي دم المسيح المعروف قبل تأسيس العالم.
(عبرانيين 9: 14). «فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!»
2. (أفسس 4: 9) «لِذَلِكَ يَقُولُ: «إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْياً وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا». وَأَمَّا أَنَّهُ صَعِدَ، فَمَا هُوَ إِلاَّ إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضاً أَوَّلاً إِلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ السُّفْلَى.»
هذا النص مقتبس من (مزمور 68: 18). تخيل داود انتصار الملك من أجل الشعب، وبعد الانتصار سبى سبيًا (غنائم)، وقبل عطايا وهدايا بين الناس. اقتبس بولس الرسول هذا النص وطبّقه على انتصار المسيح على الموت وصعوده إلى السماء، وأعطى الروح القدس ومواهبه لكنيسته كمكافأة عن عمله الذي أتمّه على الصليب، كما يتضح من الآيات التالية في نفس المقطع الكتابي. وقد استبدل بولس الكلمة التي في القديم (قبلت) إلى (أعطى).
لقد كان نزول المسيح أمرًا عجيبًا، لقد نزل من السماء، إلى المذود، ثم إلى موت الصليب فإلى القبر. من المؤكد هنا أنه لا يمكن اعتبار (أقسام الأرض السُفلى) بمعنى الهاوية أو الجحيم، لأنه يتعارض هنا مع منطق المقطع، فصعود المسيح يتطلب نزوله مسبقًا إلى الأرض وليس الجحيم، كما أن الكتاب المقدس يؤكد أن روح المسيح عند موته صعدت إلى السماء وليس إلى الجحيم (لو 23: 43، 46). فأقسام الأرض السفلى هنا هي الدفن في القبر.
كما أن هذا التعبير قد يقصد به الأرض ذاتها بالنظر إلى السماء مثل قول النبي
«تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَعَلَ. اهْتِفِي يَا أَسَافِلَ الأَرْضِ». (إشعياء 44: 23).
كما أنه هل مَن يستطيع أن يثبت أن الجحيم هو في مكان ما في داخل الكرة الارضية؟ نعلم أن الأرض تدور في الفضاء، أما دوائر الأرواح فهي في بُعدٍ عظيم عن تلك الكرة الأرضية، كما سبق وأشرنا عاليًا، فالجحيم ليس في أماكن في أقسام الأرض السفلى.
تأتي عبارة أسافل الأرض، أو الهاوية بمعنى القبر في نصوص كثيرة، مثلاً (مزمور 63: 9). ونزول المسيح إلى القبر يتماشى مع النبوات عنه في العهد القديم أيضًا
«لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَادًا (الجسد لا يتحلل)» (مز 16: 10).
فالهاوية هنا بمعنى القبر، والمسيح لم يُترك في القبر مثل داود، ولا جسده رأى فسادًا، إذ قام من الموت. ولقد استخدم بطرس هذه الآية ووضحها في (أعمال 2: 27-31).
3. (1 بط 4: 6) «فَإِنَّهُ لأَجْلِ هَذَا بُشِّرَ الْمَوْتَى أَيْضاً، لِكَيْ يُدَانُوا حَسَبَ النَّاسِ بِالْجَسَدِ، وَلَكِنْ لِيَحْيُوا حَسَبَ اللهِ بِالرُّوحِ».
العدد هنا يشير إلى أشخاص بُشروا خلال حياتهم بالجسد على الأرض، وآمنوا بالرب. لكنهم وبسبب هذا الإيمان تألموا على أيدي الأشرار، وواجهوا الموت في أوقات كثيرة، لكن الله بررهم، مع أنهم دينوا حسب الناس، وهم الآن في السماء. لقد ظنهم الناس مختلين، أما الله فأكرمهم وبررهم، وهم في السماء الآن معه. لا يوجد أي دليل هنا لعودة بشارتهم بعد الموت، لأن هذا الفكر يتناقض مع المفهوم العام للكتاب، لا فرصة ثانية للخلاص بعد الموت
«وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّيْنُونَةُ..» (عبرانيين 9: 27).
ومن البديهي أن الذين هم في الحجيم إذ جائتهم فرصة ثانية للخلاص والخروج منه، سرعان ما سيوافقون جميعهم على ذلك، وبالتالي لن يبقى أحد فيها، لكن الكتاب يقول يصعد دخان عذابهم إلى أبد الأبدين (رؤيا 14: 11).
نرجوا من خلال الطرح السابق، نكون قد أجبنا على السؤال المطروح، وإلى لقاء آخر، مع العديد من الأسئلة. الرب معك.
اسأل براحتك