افحص طريقك… هل تسير في النور؟
دعوة صادقة للرجوع إلى بساطة المسيح وكفاية الكلمة.
في هذا الزمن المتقلّب، حيث تتكاثر الأصوات وتتنوّع التعاليم، يصبح من السهل على المؤمن أن ينجرف دون أن يشعر. ليس لأن قلبه لا يطلب الله، بل لأنه أحيانًا يتوقّف عن الفحص، عن امتحان كل شيء في ضوء نور كلمة الله، كما يقول إشعياء النبي
«إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!» (إشعياء ٨: ٢٠).
كم من تعاليم تُقدَّم اليوم بِاسم المسيح، لكنها بعيدة عن كلمة الله الحية؟ كم من ممارسات تُغلَّف بروحانية مزيفة، لكنها فارغة من الحق، لأنها ببساطة لم تخرج من فم الرب، بل من أفكار الناس ولا تستند إلى الكتاب المقدس. وهذه بعض مظاهر البُعد عن المكتوب:
1. تديّن بلا حياة.
قال الرب يسوع عن كثيرين في زمان تجسده:
«هَذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً» (مرقس 7: 6).
تأمل جيدًا في هذه الكلمات. إنها لا تنطبق فقط على ماضٍ بعيد، بل تنطبق اليوم على كثير من جماعات ترفع اسم المسيح، لكنها في الواقع تكرّس لتقاليد وممارسات لم يأمر بها الرب. وينطبق عليها ما قاله الكتاب:
«وَأَخَذَ ابْنَا هَارُونَ: نَادَابُ وَأَبِيهُو، كُلٌّ مِنْهُمَا مِجْمَرَتَهُ وَجَعَلاَ فِيهِمَا نَارًا وَوَضَعَا عَلَيْهَا بَخُورًا، وَقَرَّبَا أَمَامَ الرَّبِّ نَارًا غَرِيبَةً لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِهَا». (اللاويين ١٠: ١).
هل ما تعلّمه كنيستك اليوم هو تعليم الكتاب؟ وهل هو تفصيل كلمة الحق بالاستقامة (٢تي ٢: ١٥)؟ أم أنه عبارة عن تقاليد وعادات ليس لها علاقة بالمكتوب؟ هل علاقتك شخصية مع الله مباشرة، أم تمرّ من خلال وسطاء؟ هل تؤمن أن خلاصك هو بدم المسيح وحده، أم أنك تسعى لإرضاء الله بممارسات ظاهرية؟
الكتاب يعلن بوضوح:
«لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ» (أفسس 2: 8، 9).
2. الالتجاء إلى وسطاء غير المسيح.
في بعض الأوساط، تُقدَّم توسلات، وتُطلب بركات، وتُمارَس طقوس… وكأن الطريق إلى الله بحاجة إلى مفاتيح بشرية. لكن العهد الجديد أعلنها بكل وضوح:
«لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ» (1 تيموثاوس 2: 5).
فأي شيء آخر يُضاف هو انحراف عن البساطة التي في المسيح. نحن لا نحتاج إلى تقاليد خارج عن المكتوب، بل إلى كلمة الحياة لكي نحيا بها. لا نحتاج إلى شعائر وطقوس وفرائض محفوظة، بل إلى قلب منسحق يسمع صوت الراعي ويتبعه.
3. احذر من خدعة — تحديث الإيمان.
ربما أخطر ما يواجهنا اليوم هو ما يُسمّى «تطوير الإيمان». كأن الحق يحتاج إلى إصدار جديد يناسب العصر! مثلما تُحدّث الهواتف والتطبيقات، بات البعض يطرح سؤالًا: «هل ما زالت تعاليم الإنجيل صالحة لهذا الجيل؟»
والجواب الحاسم: نعم بكل تأكيد، فهي ليس فقط صالحة، بل كافية، وكاملة، ومحيية.
يقول الكتاب:
«يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ». (إشعياء ٤٠: ٨)
«كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ» (٢ تيموثاوس ٣: ١٦)
- الكتاب لا يُحدَّث، بل يُطاع.
- الحق لا يُعدّل، بل يُخضع له.
- النعمة لا تُطوّر، بل تُقبَل بالإيمان.
دعنا لا نقع في الفخّ القديم – محاولة تكييف الإنجيل مع رغبات الإنسان، بدل أن يخضع الإنسان لكلمة الله. الحقّ ليس قابلاً للمساومة.
لا تخف من أن تُراجع كل ما تعرفه. لا تخجل أن تترك ما لا يتفق مع كلمة الله. فالرب لا يطلب جماهير، بل يطلب أمناء.
كثيرون اليوم يحفظون آيات، ويتحدثون عن الله، ويستخدمون كلمات روحية تبدو صحيحة، لكن هل كل ما يلمع هو ذهب؟ وهل كل من ينطق باسم الرب هو منه حقًا؟
يقول الكتاب: «امتحنوا كل شيٍ. تمسكوا بالحسن» (1 تسالونيكي 5: 21).
هذه دعوة للفحص الدائم، لا القبول الساذج. يا للأسف، البعض اليوم يبحث عن ما يُرضي المشاعر، لا ما يُرضي الله. يبحث عن جماعة تقول له ما يريد أن يسمعه، لا ما يحتاج أن يسمعه.
إن التمييز الروحي لا يعني الشك في الجميع، بل يعني الحذر من الانجراف. فكم من مؤمن بدأ بتعليم بسيط، ثم وجد نفسه يحمل أفكارًا غريبة لا جذور لها في الكتاب المقدس. الأمور لا تنقلب فجأة، بل تتسلل شيئًا فشيئًا، حين نغلق الكتاب ونفتح آذاننا للناس بدلاً من صوت الله. ويحذرنا الكتاب من هذا النوع من الانجراف حين يقول:
«لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ» (2 تيموثاوس 4: 3).
من السهل أن نتبع الأكثرية، لكن طريق الحق دائمًا ضيق، وأبوابه ليست مزخرفة. ليس كل من يرفع راية المسيح يسير حسب فكر المسيح. هناك تعاليم تُباع بثمن رخيص، لكنها تكلّف النفس غاليًا. ومن لا يفحص طريقه، قد يجد نفسه يسير بعيدًا وهو يظن أنه على الطريق.
التمييز هو فضيلة المتواضعين. مَن يظن أنه لا يحتاج للتمييز، هو أول من سيتعثر. ومن يتكل على فهمه، سيضل الطريق. فدعونا نُفتّش قلوبنا، ونُراجع مواقفنا، ونسأل بصدق:
- هل ما أتبعه اليوم هو تعليم الرب؟ أم هو خليط من الحق والراحة النفسية؟
- هل ما أسمعه يقرّبني من القداسة، أم يريح ضميري مؤقتًا؟
- هل يضعني حيث يريدني الله، أم حيث أشعر أنني مقبول؟
دعونا لا ننخدع بالشكل. فالشيطان لا يأتي دائمًا بأنياب واضحة، بل أحيانًا بكلام ناعم يشبه الحق لكنه ليس الحق. وإن لم نتمسك بكلمة الله كمرجع وحيد، سنصير عرضة للتقلبات والرياح.
فلنطلب من الرب عيونًا مفتوحة، وقلوبًا طائعة، وأرواحًا مدربة على التمييز. فالمعركة في أيامنا ليست فقط ضد الخطيّة، بل ضد الباطل الذي يتنكر في صورة الحق. في وقت أصبح فيه الباطل يُقدَّم بلغة الحق، نحتاج أن نعود إلى فحص الطريق. أن نسأل أنفسنا بصدق: هل نسير في النور؟
كلمة الله هي النور. والمسيح هو الطريق. والحق لا يتغيّر. فلنُغيّر نحن أنفسنا، لا الحقّ. ولنخرج نحن من التقاليد التي لا تستند إلى كلمة الله، لا أن نُجمّلها بثوب جديد. فالكلمة تكفينا، والمسيح يكفينا، والنعمة تحفظنا. آمين.
افحص طريقك